أصداء الغياب: غزة وذكريات الفقدان

رجل وصبي يجلسان بجانب مبنى متضرر في مدينة غزة في 11 فبراير 2024. الصورة: عمر إسحاق/د ب أ/إن تي بي

رجل وصبي يجلسان بجانب مبنى متضرر في مدينة غزة في 11 فبراير 2024. الصورة: عمر إسحاق/د ب أ/إن تي بي

Right Aligned Text
كان والدا إيمان مصرين على قرارهما بعدم مغادرة شمال غزة بعد السابع من أكتوبر 2023. عندما أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر بالترحيل، شعروا أن ليس أمامهم خيار آخر سوى التوجه إلى الجنوب. "أقنعناهم بالمغادرة"، تقول إيمان.

"أتمنى لو لم نقعنهم بهذا الأمر".

بمجرد أن استقروا مع أقارب في الجنوب، تعرض المنزل الذي كانوا يقيمون فيه للقصف. قُتل والدا إيمان وأخوها وابنة أخيها البالغة من العمر ست سنوات.

"اتبعنا التعليمات ومع ذلك استهدفوا المنزل."

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية في شمال مدينة غزة، 12 أكتوبر 2023. صورة: وكالة حماية البيئة / محمد صابر / NTB

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية في شمال مدينة غزة، 12 أكتوبر 2023. صورة: وكالة حماية البيئة / محمد صابر / NTB

إيمان، إلى اليمين، تتحدث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين العام خلال رحلته إلى رفح في فبراير 2024.

إيمان، إلى اليمين، تتحدث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين العام خلال رحلته إلى رفح في فبراير 2024.

إيمان، إلى اليمين، تتحدث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين العام خلال رحلته إلى رفح في فبراير 2024.

Right Aligned Text
إيمان هي واحدة من موظفي المجلس النرويجي للاجئين في غزة وتعمل كمسؤولة. حتى نوفمبر 2023، كانت تعيش مع زوجها وأربعة من أطفالها في الشمال.

"لم أرغب في الذهاب إلى مكان غير مألوف"، تقول. "لكن وصل الأمر إلى نقطة لم أعد قادرة فيها على إطعام أطفالي. كان لدي مال في البنك لكن لا توجد وسيلة لسحبه حيث لم تكن هناك أجهزة صراف آلي أو بنوك تعمل. وحتى لو كان لدي نقود، لم يكن هناك شيء في السوق لشرائه."

لمدة أسبوع تقريباً، اضطرت إيمان لغلي الماء غير الصالح للشرب وإضافة شاي بشكل بسيط على الماء لتغير طعمها واستصلاحها لأطفالها حتى يشربوا المياه.

كانوا يشعرون بالإيذاء بسبب صوت القصف والهمهمة المقلقة للدبابات الإسرائيلية وهي تتجول في الشوارع.
"كان الأمر كما لو أننا عدنا بالزمن إلى الوراء."
Right Aligned Text
اتخذت إيمان قرارها النهائي بالتوجه إلى الجنوب بعدما تم قصف منزلها وأصيبت أختها بجروح خطيرة. انتظروا ثلاث ساعات بعدما أصيبت وكانت تنزف بغزارة حتى استطاعوا تأمين سيارة إسعاف.

"اضطررنا للوقوف في الشارع وإيقاف سيارة إسعاف"، تشرح إيمان. "كانوا يتجولون بالشوارع وينادون: 'هل هناك مصاب؟ هل هنالك أحد بحاجة إلى مساعدة؟' كان الأمر كما لو أننا عدنا بالزمن إلى الوراء."

فلسطينيون يفرون من الشمال يسيرون على طريق صلاح الدين في الضواحي الجنوبية لمدينة غزة في 26 نوفمبر 2023. الصورة: محمود حمص/أ ف ب/إن تي بي

فلسطينيون يفرون من الشمال يسيرون على طريق صلاح الدين في الضواحي الجنوبية لمدينة غزة في 26 نوفمبر 2023. الصورة: محمود حمص/أ ف ب/إن تي بي

Right Aligned Text
عبر "الممر الآمن"

للعبور من شمال غزة إلى الجنوب، يجب على السكان المرور عبر نقطة تفتيش إسرائيلية حديثة الإنشاء. تصف إيمان المنطقة بأنها خالية ومحاطة بالدبابات مع إقامة حاجز أمني للتفتيش في المنتصف.

كان صوت إطلاق النار يتردد وهم يسيرون نحو الحاجز.

"كانت هناك حشود ضخمة من الناس عند نقطة التفتيش"، تقول. "كان عليك أن تمسك بطاقة هويتك وترفعها فوق رأسك وأنت تعبر من خلالها. ثم هناك آلات تقوم بمسح وجهك وأخذ بياناتك البيومترية. إذا لم يكن لديهم شيء عليك، فأنت مسموح لك بالعبور إلى الجنوب، ولكن إذا اشتبهوا بك، فسيتم اعتقالك. تم اعتقال الآلاف من الأشخاص من قبل الإسرائيليين."

كان أخ إيمان واحدًا منهم.
Right Aligned Text
لمدة 50 يومًا لم يكن لديهم أي معلومات عنه. لأسابيع، كان والد إيمان لحوح بسؤال جميع الجهات لمعرفة إذا كان ابنه بخير.

"كان دائمًا يقول لي: 'أريد فقط أن أعرف إذا كان بخير، هذا كل شيء. أريد فقط أن أعرف إذا كان بخير.'"

عندما تم إطلاق سراح أخيها، كان والدها قد قُتل بالفعل.

"لم نكد نتعرف عليه عندما عاد. كان مشوهًا من التعذيب الذي تعرض له وقد فقد الكثير من وزنه. أول شيء فعله بعد خروجه كان محاولة الاتصال بوالده ليخبره أنه بخير. لم يدرك أنه لن يسمع صوته مرة أخرى."

Right Aligned Text
استمر الهجوم على غزة لأكثر من ستة أشهر. قُتل أو أُصيب أكثر من 108,000 شخص في قطاع غزة. لا يزال العديد من الرهائن الإسرائيليين محتجزين، بينما يواجه سكان غزة بأكملهم خطر المجاعة.
رفح تتجاوز طاقتها

بمجرد وصول إيمان وعائلتها إلى مدينة رفح أقصى الجنوب واستقرارهم في منزل استأجره المجلس النرويجي للاجئين للموظفين، تحسنت الأمور تدريجيًا.

تشرح إيمان أن رفح تشبه القرية أكثر من المدينة من عدة نواحٍ حيث أنها تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستيعاب 1.5 مليون شخص المقيمين بها الآن.
Right Aligned Arabic Text
لا يوجد قطعة أرض خالية. الشوارع ممتلئة بالخيام والقماش المشدود وأكواخ خشبية مؤقتة أو أي شيء يمكن للناس العثور عليه لبناء مأوى.

التنقل من مكان إلى آخر في المدينة أمر صعب. الاكتظاظ يزيد من أوقات السفر ويمكن أن تستغرق رحلة مدتها 15 دقيقة إلى ساعتين.

«وصل الناس إلى نقطة يقولون فيها 'أفضل الموت على أن أعيش بهذه الطريقة.»
Right Aligned Arabic Text
الناس في الشوارع باستمرار يبحثون عن الطعام والمأوى والماء. ارتفعت أسعار المنتجات عشرة أضعاف. الآن فقدت أساسيات الحياة. أولئك الذين يمكنهم العثور على مأوى بين الجدران يعيشون قمة الرفاهية.

"تخيل عدم وجود حمام. يسير الكثيرون مسافات طويلة للوصول إلى واحد أو العثور على بدائل. تخيل الانتظار خمس ساعات لاستخدام الحمام. أخبرتني إحدى زميلاتي أن عائلتها بأكملها اضطرت لارتداء حفاضات لتجنب الوقوف في الطابور."

"وصل الناس إلى نقطة يقولون فيها 'أفضل الموت على أن أعيش بهذه الطريقة.'"

14 أبريل 2024: الفلسطينيون الذين فروا سابقًا إلى جنوب غزة يتوجهون الآن شمالًا في محاولة للعودة إلى منازلهم. صورة بواسطة عمر أشتاوي/صور إيه بي إيه/NTB

14 أبريل 2024: الفلسطينيون الذين فروا سابقًا إلى جنوب غزة يتوجهون الآن شمالًا في محاولة للعودة إلى منازلهم. صورة بواسطة عمر أشتاوي/صور إيه بي إيه/NTB

أشكال جديدة للحزن

أشكال جديدة للحزن

"حقيقة أنني لا زلت على قيد الحياة اليوم هو معجزة"، تقول إيمان. "دمروا أحياء بأكملها وعائلات."

"من بين جميع الحروب التي مررنا بها، لم يكن هناك ما يماثل هذا."

مع ضعف قدرة الدفاع المدني في غزة بشكل كبير، لا يزال الكثير من الأشخاص الذين قُتلوا في القصف المستمر مدفونين تحت الأنقاض. عائلة إيمان علقت تحت ثلاث طبقات من الخرسانة، وأمضت قوات الدفاع المدني ثلاثة أيام في محاولة لاستخراج جثث والدي إيمان وأخيها.

"إذا مشيت حول المباني المدمرة، سترى أسماء من دُفنوا تحتها مكتوبة على الجدران: 'هنا يرقد فلان'،" تصف إيمان. "تخيل امرأة عاجزة تشاهد جسد ابنتها نصف مدفون تحت الأنقاض والنصف الآخر يُستهلك من قبل الكلاب، غير قادرة على فعل أي شيء حيال ذلك."

"لم نحظ بعد بوقت للحداد، والأسوأ لم يأت بعد. لا أستطيع التفكير في المستقبل لأن ذلك سيجعلني أفقد عقلي. حتى لو عدنا، ليس لدينا شيء نعود إليه. لقد فقدنا كل شيء."

تسأل ابنة إيمان البالغة من العمر ثلاث سنوات والدتها عن روضة أطفالها: هل تزال قائمة أم تم قصفها؟

"لا ينبغي لطفلة في الثالثة من عمرها أن تسألني هذه الأسئلة"، تقول إيمان. "لا ينبغي لها أن تتساءل إذا كانوا قد قصفوا أحياء بأكملها أو مجرد منزل واحد عندما تسمع انفجارًا. لا ينبغي لها أن تتعرف على مدى قرب طائرة حربية بمجرد الصوت الذي تصدره، ولكنها تفعل ذلك."

"كان أطفالي يتطلعون دائمًا إلى عيد الفطر، ولكن الآن يسألونني فقط: 'هل سننجو من العيد بدون أن نتعرض للقصف؟'"

NRC response in Gaza: Delivering essential relief blankets, sleeping mats, jerry cans, and kitchen sets to 800 families at Al-Qadisiyah school in Rafah, Gaza.

NRC response in Gaza: Delivering essential relief blankets, sleeping mats, jerry cans, and kitchen sets to 800 families at Al-Qadisiyah school in Rafah, Gaza.

العمل في ظروف قاسية

العمل في ظروف قاسية

لا يزال المجلس النرويجي للاجئين يقوم بأعمال إنسانية في غزة، وتعمل إيمان الآن كجزء من فريق إدارة المواقع. جزء أساسي من عملهم هو ضمان توفير الدعم والأمان للأشخاص الذين نزحوا وفقًا للمعايير الإنسانية المطلوبة. يشمل ذلك زيارة الملاجئ الرسمية وغير الرسمية وتحديد الفجوات والاحتياجات في كل منها. استنادًا إلى هذه المعلومات، يحدد الفريق طرق التدخل، سواء كان ذلك يشمل توزيع معدات النظافة الأساسية أو التعاون مع المنظمات الأخرى لتأمين الطعام.

"هناك العديد من التحديات التي تؤثر على عملنا، وبعضها بسيط مثل عدم القدرة على إرسال الرسائل الإلكترونية بسبب ضعف الاتصال بالإنترنت"، تقول إيمان. "يجعل الاكتظاظ من الصعب جدًا الوصول إلى المواقع التي نحتاج إلى الوصول إليها، ويستغرق الحصول على العناصر وقتًا ويبطئ استجابتنا. ولكننا نفعل كل ما في وسعنا لمساعدة الناس على أفضل وجه ممكن."

فريق المجلس النرويجي للاجئين في مكتبنا في رفح، يناير 2024.

فريق المجلس النرويجي للاجئين في مكتبنا في رفح، يناير 2024.