لماذا تعتبر المؤتمرات المناخية مهمة للشرق الأوسط المتأثر من النزاعات؟

سماح حديد|Published 13. Nov 2022
 في بلد لطالما اشتهر بنهريه، تمثّل الأهوار القديمة في العراق هذه الأيام شاهداً على ويلات تغيّر المناخ المروّعة. فمع تزايد ارتفاع درجات الحرارة لعدة سنوات متتالية، انحسرت مستويات هطول الأمطار وتدفق المياه تباعاً، واضمحلت سبل عيش المزارعين بشكل مستمر.
 
 في زيارتي الأخيرة إلى الأهوار، تحدثت إلى مربي الجاموس الذين يحاولون يائسين التمسك بهذا المصدر الرئيسي لمعيشتهم. على مدار آلاف السنين، كانت الأهوار بمثابة شريان الحياة لسكان المنطقة. أما الآن، فقد تحولت تلك الأهوار الخصبة إلى بضع من القطرات. وكالكثيرين من قبلهم، تواجه المجتمعات قرارًا قاسيًا بالتخلي عن الماشية التي تمثّل مصدر رزقها الوحيد وترك المنازل التي سكنوها لأجيال للبحث عن طريقة لاستعادة كرامتهم في مكان آخر.
 
 أظهر بحث للمجلس النرويجي للاجئين أن السنوات المتتالية من انخفاض معدلات هطول الأمطار والجفاف في العراق تسببت بفقدان المزارعين لدخلهم وسبل عيشهم، مما دفعهم إلى الاعتماد على المساعدات الغذائية. يعاني العراق وسوريا واليمن على وجه الخصوص من أنظمة غذائية هشّة، وقد يزداد الأمر سوءًا مع تغيّر المناخ باعتباره عامل مضاعف لخطر الجوع في هذه المناطق التي تعاني من انعدام مقلق للأمن الغذائي.
 
 ذلك وفي البلدان المتضررة من النزاعات والنزوح في المنطقة، تنكشف أوجه الدمار الناجم عن تغيّر المناخ في بلدان تركت فيها الحروب ندوبًا ترسخت لسنوات. فتعرضت البنية التحتية للمياه والزراعة في كثير من الأمثلة للتدمير الجزئي أو الكلي. في سوريا، انتشرت الكوليرا في جميع أنحاء البلاد بفعل الآثار المجتمعة لتغيّر المناخ وضعف البنية التحتية للمياه والصرف الصحي. وقد ازدادت قدرة المجتمعات على الوصول إلى المياه تعقيدًا بسبب التضاؤل السريع في امداداتها. لقد أصبح الجفاف في سوريا أمرًا معتادًا. أُجبرت العائلات ممن تعاني أصلاً على إنفاق المزيد من دخلها الضئيل على الماء والغذاء، لتغرق في مزيد من الديون. بدون الماء، وبدون ما يكفي من الطعام، تنذر تأثيرات تغيّر المناخ بتفاقم النزاعات التي بالكاد تمّت تسويتها بسبب الاحتياجات الناشئة عن هذه الظاهرة.
 
 ومن الملاحظ أيضاً تضاءل فرص العمل حيث يتجه قطاع الزراعة نحو الانهيار. في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يقدّر البنك الدولي أن ندرة المياه قد تؤدي إلى خسارة اقتصادات المنطقة ما بين ستة و 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.
 
 في منطقة غارقة أصلاً في سلسلة من أزمات النزوح، ستدفع الآثار المدمرة لتغيّر المناخ بملايين آخرين إلى الفرار حيث يزداد الدخل تضاءلاً وتتفاقم أزمة الجوع. في شمال إفريقيا، تنذر تقديرات النزوح المتوقعة خلال العقود الثلاثة القادمة بإجبار ما يصل إلى 19.3 مليون شخص على مغادرة منازلهم.
 
 يشكّل مؤتمرا الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP) في مصر الأسبوع المقبل والإمارات العربية المتحدة العام المقبل دعوة حاشدة متأخرة للدول الهشّة في المنطقة. يمثل هذان المؤتمران فرصة مهمة لوضع خطط أكثر طموحًا لمعالجة آثار تغير المناخ، وللمطالبة باتخاذ إجراءات أقوى من المانحين الدوليين. والبلدان الأكثر تضررا هي من بين البلدان التي تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري الأقل. إن الدمار الواسع النطاق الذي عانوا منه بسبب الصراع سببه في بعض الأحيان التحالفات العسكرية الدولية. ومع ذلك، فإن السكان المعرضين للخطر في هذه البلدان هم الذين يدفعون الثمن الأعلى بدعم أقل من المانحين الدوليين.
 
 تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أقل متلقٍ لتمويل المناخ في العالم، كما أن البلدان التي تأثرت بالصراع هي الأقل حصولاً على مخصصات التمويل الإقليمي. وما يلاحظ أيضاً هو بطء تمويل مبادرات التكيّف مع المناخ في المنطقة. هناك أسباب مقنعة لدول المنطقة للدعوة إلى زيادات كبيرة في تمويل الاستجابات المتعلقة بالمناخ. في مؤتمرات سابقة، حرصت الدول الأكثر ثراءً في العالم على إبقاء تمويل الخسائر والأضرار بعيدًا عن جداول أعمالها، وذلك من خلال النظر إلى تغير المناخ على أنه مشكلة جماعية، ساعين للتهرب من تحمل المسؤوليات التي تقع على أبواب تلك الدول.
 
 ومع ذلك، فإن الدعوات العالمية لتمويل الخسائر والأضرار في ازدياد. يتم دعمهم من قبل المجتمع المدني ويعززهم تحالف متزايد من الدول عبر ما يعرف بجنوب الكرة الأرضية. بلدان المنطقة هي الأكثر خسارة من تأثيرات المناخ، وبالتالي فهي من بين أكثر البلدان التي تكسب من تكثيف مفاوضاتها لدعم تمويل أقوى للمناخ للخسائر والأضرار والتكيف مع المناطق الأكثر تهميشاً في العالم.
 
 تُعد مؤتمرات الأطراف هذا العام والعام المقبل فرصة لاظهار بوادر وحدة نادرة ودفع أجندة تضع مصالح المنطقة في الصدارة من خلال التضامن مع البلدان الضعيفة والهشة الأخرى للمطالبة بالعدالة المناخية والتمويل العادل، وفي الوقت ذاته للضغط من أجل اتخاذ قرارات حاسمة والعمل على تغطية احتياجات التكيَف في المنطقة وأزمات النزوح التي تنذر بها.
 
 إن المخاطر أكبر من أن يتم التسليم بحسن نية الخطابات التي لا تُدعم بالأفعال. لا تستطيع المجتمعات التي تعاني من الانتظار حتى تتحقق الوعود في المستقبل. مع كل صيف يحطم الأرقام القياسية، مع كل جفاف، مع كل حقل مهجور، هناك الكثير في المنطقة ممن يتم دفعهم نحو محنة سكان الأهوار العراقية المتزايدة في القحولة.