نادين تجلس بجانب ابنتها الصغرى جويا على الأريكة في غرفة معيشتهم في عين الرمانة، بيروت. تصوير: شربل ديسي/ المجلس النرويجي للاجئين

التمسّك بالأمل في أوقات لبنان الصعبة

شربل ديسي|Published 06. Oct 2023
 نسمة هواء تمرّ من بين نافذتين في غرفة طويلة من شقّة في حيّ عين الرمّانة في العاصمة اللبنانيّة بيروت، خلال نهار يوم حارّ ورطب بداية الأسبوع، تسمع خطوات نادين، وهي تسير بهدوء حذرة كونها كفيفة، تجلس إلى جانب ابنتها الصغيرة جويا ذات الخمس سنوات. تهمس جويا في أذن أمّها ليتبادلا الابتسامة معًا.
 
عند سؤالها عن الوضع المعيشيّ والاقتصاديّ في لبنان، ردّت نادين بسخرية، وحالها حال الكثيرين من اللبنانيّين عند سؤالهم حول سوء الوضع قائلة: "جميل جدًّا"، وعبّرت بعد ذلك عن حقيقة الوضع وتأثيره في حياة الجميع، "الوضع الاقتصاديّ في لبنان صعب وأثره واضح على الجميع، نحن جميعًا في القارب نفسه".
 
نادين مع ابنتها الصغرى جويا على الأريكة في غرفة معيشتهم في عين الرمانة، بيروت. تصوير: شربل ديسي/ المجلس النرويجي للاجئين
 
تعيش نادين، ٤٤ عامًا، مع زوجها وأطفالها الثلاثة في حيّ عين الرمّانة في بيروت، حيث تسكن هناك منذ أربع سنوات. لم تستطع نادين وعائلتها استيعاب الأزمات المتعاقبة عليهم جرّاء هشاشة الوضع الاقتصاديّ والسياسيّ في البلاد، حيث أصبحت العائلة تعتمد بشكل أساسيّ على المساعدات منذ أربع سنوات، بعدما أصبح عمل جوزها غير كافٍ وغير ثابت. "بدأت المشاكل في لبنان قبل أربع سنوات مع الانتفاضة، ثمّ تلاها COVID-19، وأزمة الدولار، وانفجار مرفأ بيروت، كلّ هذه الأحداث جاءت واحدة تلو الأخرى، ولم تترك لنا الوقت لالتقاط أنفاسنا، كلّها أمور يصعب التعامل معها"، تقول نادين.
 

"لم يكن الوضع هكذا من قبل، كان هناك الكثير من التحدّيات سابقًا، لكنّ الدخل كان يكفينا، الآن، حتّى مع وجود عمل، فنحن لا نزال في أمسّ الحاجة".

حال عائلة نادين يعكس حال كثير من العائلات اللبنانيّة الّتي نهشت الأزمة الاقتصاديّة وآثارها وقتها وتفكيرها، فحسب آخر دراسة أجريت في لبنان، فإنّ أعداد العائلات الّتي تحتاج إلى مساعدة إنسانيّة تفاقمت لتصل إلى 3.9 مليونًا، ويتضمّن ذلك اللاجئين بالإضافة إلى 2.1 مليون لبنانيّ.

 

تصوير: شربل ديسي / المجلس النرويجي للاجئين

 

المنزل هو كلّ شيء

 تسهب نادين في شرح أهمّيّة المنزل بالنسبة لها ولعائلتها، فهي كفيفة، لذلك تعجز عن الخروج كثيرًا من المنزل، وتشعر بالأمان فيه كونها تسكنه منذ عدّة سنوات، لذلك، فهي تحفظه جيّدًا دون الحاجة إلى مساعدة للتنقّل في داخله.

"لا يمكنني مغادرة المنزل كثيرًا، فهو بمثابة كلّ شيء بالنسبة لي، أعرف كلّ ركن من أركانه، لذلك تأقلمت هنا". تقول نادين.

أصبح المنزل وإيجاره يشغل تفكير نادين كثيرًا، فمع بدء الأزمة الاقتصاديّة، لم تكن نادين على علم بأنّ مبلغ الإيجار الّذي كانت تدفعه مسبقًا ولا تتأخّر فيه، سيصبح توفيره هو الشاغل الأكبر لعائلتها، وبسبب تضخّم العملة في لبنان، تضاعفت أسعار الإيجار بسرعة كبيرة، وحسب أرقام المجلس النرويجيّ للّاجئين، فقد تضاعف الإيجار الشهريّ من مليونا ليرة لبنانيّة إلى 13 مليون ليرة، في حين يتقاضى العامل غير المحترف ٥ ملايين ليرة لبنانيّة، ويشير ذلك إلى سبب عدم تمكّن الناس من تغطية احتياجاتها.

 

مطبخ نادين في عين الرمانة، بيروت. تصوير: شربل ديسي/المجلس النرويجي للاجئين
 
تقول نادين، "لا أحبّ حين يأتي المؤجّر إلى باب منزلي ويطلب الإيجار، وفي حال كان لديّ المال، فأنا لن أؤجّل دفعه لمدّة ثلاثة أشهر".
 

استفادت نادين من مساعدة المجلس النرويجيّ للّاجئين ضمن برنامج المأوى، من خلال تمويل الدعم الإنسانيّ في لبنان، والذي ساهم في تغطية إيجار منزلها لمدّة ستّة أشهر، كما ساعدتها تغطية الإيجار في تخفيف الضغوطات على العائلة، ومحاولة التركيز على مصاريف أخرى مثل الغذاء، والّذي أصبح من الصعب توفيره مع الأزمة الاقتصاديّة، إذ تعاني لبنان من أقسى حالات التضخّم فيما يخصّ الطعام.

"انتهى عقد الإيجار مع المنظّمة في مايو، ويريد المالك رفع الإيجار، وبالدولار الأمريكيّ فقط. إنّه يطلب الآن 250 دولارًا أمريكيًّا، بدلًا من 150 دولارًا أمريكيًّا كما كان سابقًا، وإذا لم نتمكّن من دفع هذا المبلغ، فسنضطرّ إلى المغادرة. سوف يمنحنا إشعارًا قبل شهرين للعثور على منزل جديد، لكن إلى أين نذهب؟".

تقول نادين إنّ المساعدة الّتي قدّمها المجلس النرويجيّ للّاجئين كانت جيّدة لمدّة ستّة أشهر، لكن بالنسبة لوضعها، فقد يكون ذلك غير كاف، لكنّها تعرف جيّدًا صعوبة الوضع بالنسبة للآخرين. "ستّة أشهر من تغطية الإيجار ليست كافية، لا يزال الكثير من الناس بحاجة إلى المساعدة، أنا محظوظة لأنّ لديّ سقفًا فوق رأسي، لكنّ البعض لا يملكون ذلك، وقد أكون يومًا ما مشرّدة في الشارع".

 

الحياة باهظة للغاية

 "نحن نعيش على التبرّعات الغذائيّة ونتأقلم معها، لا نستطيع شراء الخضروات، من النادر أن نتمكّن من شراء الطماطم الآن، إذ نحصل أحيانًا عليها في وقت المدرسة، حتّى يتمكّن أطفالي من الذهاب إلى المدرسة مع ساندويشة بسيطة، هذا هو الوضع بالنسبة للجميع".
 
تعيش الكثير من العائلات في لبنان، حالة من التوتّر والقلق اليوميّ إثر الزيادات المستمرّة في أسعار السلع، مع الهبوط المستمرّ للعملة اللبنانيّة مقابل سعر الدولار، فيما يسمّيه اللبنانيّون "أزمة الدولار"، حيث أصبحت المحلّات التجاريّة تسعّر الموادّ التموينيّة بالدولار، وفي الجانب الآخر، لا تزال الكثير من العائلات تقبض أموالها في الليرة اللبنانيّة؛ ممّا يجعل من الصعب جدًّا مواكبة رفع الأسعار.
 
حي عين الرمانة في بيروت. ويحتاج ما يقدر بنحو 3.9 مليون شخص في لبنان إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية. تصوير: شربل ديسي/المجلس النرويجي للاجئين
 
تعاني نادين من فقر دم شديد؛ بسبب سوء التغذية، ولا تستطيع توفير ثمن الذهاب للمستشفى. "أنا أعاني فقر دم شديد، وعليهم أن ينقلوا لي وحدات دم، ليس لديّ تأمين صحّيّ، وتكلفة الذهاب للمستشفى لن تقلّ عن ألف دولار، قد يكون ذلك بسبب نقص التغذية؛ لأنّنا لا نأكل طعامًا صحّيًّا، وفي بعض الأحيان، يُغمى عليّ بسبب ذلك".
 

ليست نادين فقط من تعاني مشاكل صحّيّة؛ فزوجها أيضًا يعاني أمراض قلب وضغط الدم، ويصعب توفير الأدوية له بسبب انقطاعها، وإن وُجدت، فتكون غالية الثمن. وتُضيف: "الصيدليّة لا نقترب منها".

 الأمل كوسيلة للاستمرار

 "لا يمكنني تلبية احتياجات أولادي؛ بسبب الأشخاص الّذين يحكمون هذا البلد، اللوم يقع على كلّ هذه الأحزاب السياسيّة والفاسدين في البلاد". تقول نادين وتصف شعورها بالغضب، حينما تطلب جويا، البنت الصغرى، شراء باكيت شيبس، لكنَّها لا تستطيع توفيره لها.
 
"آمل أن يتحسّن الوضع السياسيّ، إذا استمرّ الوضع على هذا النحو، فسيكون من الصعب على جيل المستقبل التكيّف. لم يبق لهم شيء".
 
نادين تقف على شرفة منزلها في حي عين الرمانة. تحلم نادين بمستقبل أفضل لابنتها وأطفالها، حيث لن يضطروا إلى مواجهة نفس التحديات التي واجهتها. تصوير: شربل ديسي/المجلس النرويجي للاجئين
 
بالرّغم من جميع هذه الصعوبات والضغوطات الّتي تمرّ بها نادين وزوجها، إلّا أنّها مليئة بالطاقة الإيجابيّة حول مستقبل أطفالها التعليميّ؛ فالتعليم هو أولويّة قصوى لها، ولا تستطيع نادين المجازفة في تسجيلهم بالمدرسة الحكوميّة، وذلك لكثرة الإضرابات الّتي يخوضها المعلّمون لرفع أجورهم، والّتي أثّرت في تعليم الأطفال. "كانت المدرسة مُريحة فيما يخصّ الدفع عن طريق الأقساط، لكن منذ العام الماضي، بدأت المدرسة بمطالبة الرسوم بالدولار. إنّهم يريدون الآن $1200 دولار للفصل القادم، ولا عليّ ديون بقيمة أربعة ملايين ليرة لبنانيّة منذ الفصل الماضي".
 
تشرح نادين، وهي تتأمّل أن تكون المدرسة مرنة أيضًا هذا العام، لكنّ تغطية مصاريف المواصلات أيضًا تشكّل هاجسًا كبيرًا بالنسبة لها، تقول: "أنا مهتمّة بتعليمهم فقط. نفعل كلّ شيء باستطاعتنا من أجل ضمان حصولهم على التعليم، هذا طوق نجاتهم".